كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ويفهم من هذه الآية أن التوبة وحدها لا تكفي من القاذف حتى يقرنها بعمل صالح، وهو كذلك.
وقيل لا تقبل شهادتهم ولو تابوا، وإن الاستثناء يرجع إلى قوله: {أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ} والأول أولى، لأن الاستثناء راجع إلى رد الشّهادة كما قاله عمر وابن عباس وغيرهم من كبار الصحابة، ومن هنا أخذت قاعدة الاسقاط من الحقوق المدنية على مرتكبي الجنايات، وقاعدة رجوع هذه الحقوق إليهم باستحصالهم على قرار من الحكومة، وهذا الحكم الثالث من الآيات البينات، والحكم الرّابع بينه بقوله: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ} على صحة قولهم {إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ} على رميهم {أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} في رميه زوجته {وَالْخامِسَةُ} يزيد فيها جملة {أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ} فيما رماها به، وبهذا ينجو من إيقاع حد القذف عليه، والحكم الخامس هو {وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ} الحد الذي ترتب عليها بشهادات زوجها المخمسة المقرونة باللعن {أَنْ تَشْهَدَ} هي أيضا على نفسها {أَرْبَعَ شَهاداتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكاذِبِينَ} فيما رماها به {وَالْخامِسَةَ} تزيد فيها ما أشار اللّه إليه بقوله: {أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْها إِنْ كانَ} زوجها {مِنَ الصَّادِقِينَ} فيما رماها به من الزنى لا في شهاداته المخمسة، وهو كذلك يقرن اللعن في الشّهادة الخامسة فقط، وجعل الغضب في جانبها بمقابل اللّعن الذي بجانبه لأنهن يستعملنه كثيرا، فربما جر أن عليه لكثرة جريه على لسانهن وسقوط وقوعه عن قلوبهن ليكون رادعا لهن.
أخرج في الصّحيحين عن سهل بن سعد السّاعدي أن عويمر العجلاني جاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم وقال له أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقنلونه أم كيف يفعل؟ فقال صلّى اللّه عليه وسلم قد أنزل فيك وفي صاحبتك قرآنا فاذهب فأت بها، قال سهيل فتلاعنا وأنا مع النّاس عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم، فلما فرغا من تلاعنهما قال عويمر كذبت عليها يا رسول اللّه أن مسكنها، فطلقها ثلاثا قبل أن يأمره، فكانت تلك أي قضية الطلاق بعد التلاعن سنة للمتلاعنين.
وفي رواية: ثم قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم انظروا إن جاءت به أسحم أدعج العينين عظيم الإليتين خدلج السّاقين، ولا أحسب عويمرا إلا صدق عليها، وإن جاءت به اسحم أحيمر كأنه دحرة فلا أحسب عويمرا إلا قد كذب عليها، فجاءت به على النّعت الذي نعت صلّى اللّه عليه وسلم من تصديق عويمر، وكان بعد بنسب إلى أمه.
هذا مختصر من حديث طويل، وروى البخاري عن ابن عباس أن هلال ابن أمية قذف امرأته خولة عند النّبي صلّى اللّه عليه وسلم بشريك بن سمعاء، فقال النّبي صلّى اللّه عليه وسلم البينة أو حد في ظهرك فقال يا رسول اللّه إذا رأى أحد على امرأته رجلا ينطلق يلتمس البينة فجعل النّبي صلّى اللّه عليه وسلم يقول البينة أو حد في ظهرك فقال هلال والذي بعثك بالحق إني لصادق ولينزلن اللّه ما يبرىء ظهري من الحد، فنزل جبريل وأنزل عليه هذه الآية، فأرسل إليهما فجاءا فقام هلال بن أمية فشهد والنّبي صلّى اللّه عليه وسلم يقول يعلم اللّه أن أحدكما كاذب، فهل منكما تائب؟ ثم قامت فشهدت، فلما كانت الخامسة وقفها وقال إنها موجبة أي أن هذه الشهادة الخامسة المقرونة باللعن والغضب توجب وقوعه عليها إن كذبت، وإن غضب اللّه عظيم أجارنا اللّه منه، وذلك ليحملها على الصّدق قال ابن عباس فتلكأت ونكصت حتى ظننا أنها ترجع، ثم قالت لا أفضح قومي سائر اليوم فمضت، فقال صلّى اللّه عليه وسلم أنظروها فإن جاءت به أكحل العينين سابغ الأليتين خدلج السّاقين فهو لشريك بن سمحاء، فجاءت به كذلك، فقال النّبي صلّى اللّه عليه وسلم: «لولا ما مضى من كتاب اللّه لكان لي ولها شأن».
وفي رواية غير البخاري أطول من هذا الحكم الشّرعي قذف الزوج زوجته كقذف الأجنبية بالشروط المارة الذكر، والحد أو الرّجم كذلك، إلا أن المخرج مختلف، ففي الأجنبية إذا لم يأت بأربعة شهداء يحدّ إذا لم يقرّ المقذوف، وفي الزوجة يسقط عنه بأحد الأمرين الشّهادة أو الاعتراف أو بالملاعنة، وصفتها أن يلقنه الإمام أو نائبه بان يقول أشهد باللّه إني لمن الصّادقين فيما رميت به زوجتي هذه فلانة من الزنى بفلان، إذا كان يعرفه وإلّا لا حاجة لا سمه.
وإذا أراد نفي الحمل أو الولد يقول زيادة على ذلك وإن الحمل أو الولد ليس منى إنما من الزنى، وفي الخامسة يقول بعد لفظ الشّهادة عليه لعنة اللّه إن كان من الكاذبين فيما رماها به، فإذا فرغ وقعت الفرقة بينهما وحرمت عليه على التأييد وسقط عنه الحدّ وانقضى عنه نسب الحمل أو الولد ووجب على المرأة حد الزنى، فإذا أرادت إسقاطه عن نفسها فتلقن أيضا بأن تقول أشهد باللّه أنه من الكاذبين فيما رماني به من الزنى بفلان أو بمطلق رجل، وإن الحمل أو الولد من زوجي لا من غيره.
وتزيد في الشّهادة الخامسة فتقول عليها غضب اللّه إن كان زوجها من الصّادقين فيما رماها به من الزنى، وكلّ من صح يمينه صح لعانه حرا كان أو عبدا مسلما كان أو ذميا، فإذا أكذب نفسه لزمه الحد ولحقه الولد، ويجوز له نكاحها هذا هو المختار الذي عليه الاعتماد وما جاء على خلاف هذا فهو مخالف لظاهر القرآن.
قال تعالى: {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ} لفضحكم أيها النّاس حالا ولكنه ستّار يحب ستر عباده، ولهذا اشترط أربع عدول سدا للباب لئلا يقدم كلّ أحد على ذلك فتظهر مفاسد لا تحمد عقباها {وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ} على من يتوب من عصيانه {حَكِيمٌ} (10) فيما فرضه من الحدود والأحكام على عباده، وهذا الحكم السّادس من الآيات البينات.
قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ} أي هذا البهت المختلق {شَرًّا لَكُمْ} عند اللّه يا آل محمد {بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} عنده لا نزال سبع عشرة آية في البراءة منه وهذا الخطاب لحضرة الرّسول وزوجته عائشة وأبيها أبي بكر وصفوان المتهم بها ويدخل في هذه الآية كلّ من استاء من المؤمنين لأجله {لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ} من العصبة الّذين صبروا على هذه القرية {بقدر مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ} عقابا {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ} وهو رأس المنافقين بن سلول {لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ} (11) لأنه هو الذي أشاعه وخاض فيه ولم يتب حتى مات على نفاقه والعصبة والعصابة ما بين العشرة إلى الأربعين.
قال تعالى: {لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ} الإفك المذكور والقول الزور {ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا} عفافا وإخلاصا لا أن يسارعوا إلى الشّر إذ كان عليهم أن يكتموه أو يكذبوه ويحسنوا الظّن بحسب الظّاهر على الأقل في تلك الطّاهرة الزكية ربة العفاف والصون النّقية، وكذلك فيمن عرفوا عفته وطهارته من أصحاب رسول اللّه المبرئين ولا يبادروا إلى التهمة بل يجب عليهم أن ينكروه ويجحدوه ويقولوا ما أشار اللّه إليه بقوله عز قوله: {وَقالُوا} متبرئين منه ومتنزهين عنه {سبحانك هذا} الإفك المختلق في حق تلك الطّاهرة هو {إِفْكٌ مُبِينٌ} (12) ظاهر لا خفاء فيه ولولا هنا بمعنى هلا، وكذلك هي كلما وليت الفعل لا إذا وليت الاسم كقوله تعالى لولا أنتم فتكون على معناها الأصلي أي حرف امتناع لوجود.
وقيل إن هذه الآية نزلت في خالد بن زيد أبي أيوب الأنصاري رضي اللّه عنه، إذا قال لزوجته ماترين فيما يقال فقالت لو كنت بدل صفوان، كنت تظن ذلك؟ قال لا، قالت عائشة ولو كنت بدل عائشة ماخنت رسول اللّه لأنها خير مني، وصفوان خير منك، ولما استفاض هذا الخبر بكثرة ترداده من الأفاكين الآتي ذكرهم وتكريرهم إياه في كل مجلس دون جدوى بقصد انتشاره.
استشار رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم أصحابه في ذلك فقال عمر رضي اللّه عنه أنا قاطع بكذب المنافقين، لأن اللّه عصمك من وقوع الذباب على جلدك، لأنه يقع على النّجاسات وتتلطخ بها، فلما عصمك عن ذلك القذر من التعذر فكيف لا يعصمك عن صحبة من تكون ملطخة بمثل هذه الفاحشة؟
وقال عثمان رضي اللّه عنه إن اللّه ما أوقع ظلك على الأرض لئلا يقع إنسان قدمه على ذلك الظّل، فلما لم يكن أحدا من وضع القدم على ظلك، فكيف يمكن أحدا من تلويث عرض زوجتك؟ وقال علي كرم اللّه وجهه إن جبريل أخبرك أن على نعلك قذرا وأمرك بإخراج النّعل عن رجلك بسبب ما التصق به من القذر فكيف لا يأمرك بإخراج زوجتك بتقدير أن تكون متلطخه بشيء من الفواحش؟! فاطمأن لقولهم وهو مطمئن من قبل، ولكن ليختبر ما عندهم.
قال تعالى مكذبا لأهل الإفك: {لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ} أي بهتهم ذلك {بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ} ليعلم صدقهم الظّاهري {فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ فَأُولئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكاذِبُونَ} (13) تشير هذه الآية إلى توبيخ كلّ من سمع بالإفك ولم يجدّ في دفعه وفيها احتجاج على المفترين بما هو ظاهرا الشّرع من وجوب تكذيب القاذف بلا بينة، وترمي إلى التنكيل به إذا قذف مطلق امرأة، فكيف بالصدّيقة حرم رسول اللّه وخيرته من خلقه وأم المؤمنين {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ} أيها النّاس بامهالكم للتوبه وعدم تعجيل العقوبة بالدنيا {وَالْآخِرَةِ} بالمغفرة والعفو بحلمه وكرمه {لَمَسَّكُمْ فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ} من الإفك رجما بالغيب من غير علم ولا وثوق {عَذابٌ عَظِيمٌ} (14) لعظم ما خضتم فيه.
واعلم أن لولا الأولى بمعنى هلا للتحضيض وهذه لا متناع الشّيء لوجود غيره والآتية كالأولى للتحضيض أيضا والرّابعة كهذه لا متناع الشّيء لوجود غيره، والخامسة أيضا مثلها واذكروا أيها الأفاكون {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ} من بعضكم ليس إلا {وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ} إنه حق أو صدق إذ لم يرسخ في قلوبكم صحته، لأن الشّيء يقع أولا علمه بالقلب، ثم يترجم عنه اللّسان، وهذا الإفك ليس إلّا قولا يدور على الألسنة، كذلك فيده اللّه بأفواههم وعظم وقوعه وهدد وأوعد عليه بقوله: {وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا} أيها المختلقون فتذيعونه في نواديكم وتشيعونه بالطرقات وتتفوهون به في سموكم في بيوتكم وغيرها بقصد إفاضته لدى العامة كأنه ليس بشيء {وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} (15) وزره كبير حوبه خطير عذابه، لأنه طعن في حب حبيبه التي يعلم طهارتها من كذبكم {وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ} على طريق التعجب والاستفهام {ما يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا} بمجرد السّماع من قوم أفاكين قد تفوهوا به فيما بينهم وأشاعوه تقصدا بل كان عليكم أن تقولوا بلسان واحد {سُبْحانَكَ هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ} (16) وإنما أمروا أن يقولوا هذا بهتان مبين بالآية الأولى، وفي هذه هذا بهتان عظيم مبالغة في التبرّي مما خاضوا فيه، ثم نبههم اللّه أيضا إيقاظا لما يقع من نوعه في المستقبل بقوله: {يَعِظُكُمُ اللَّهُ} وهذا أبلغ من قوله ينهاكم {أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا} لا قولا ولا إشارة ولا رمزا ولا تخطرا ولا استماعا مقصودا {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (17) بعفة اللّه تعالى، واعلموا أن اللّه لا يعفكم فيحذركم ويمنعكم معاتبا من الخوض بكل ما يؤثمكم ويؤدي إلى هلاكم {وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ} لتهذيب أخلاقكم وتحسين آدابكم {وَاللَّهُ عَلِيمٌ} بكذبكم وافترائكم وبراءة السّيدة عائشة التي اتهمتموها، ونزاهة صفوان الذي ألصقتم به هذه الفرية الكاذبة المختلقة، ولذلك أظهر براءتهما بوحيه كما هو مدون في كتابه الأزلي لعلمه أزلا في هذه الحادثة المزعومة كبقية الحوادث المتقدمات والحقيقة الراهنة {حَكِيمٌ} (18) فيما يقضي ثم أكد وعيده وتهديده في أصحاب الإفك ومن يصغي لأقوالهم أو يحبذها بقوله في الحكم السّابع {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا} عائشة وصفوان الطّاهرين الزاكيين، واللّفظ عام فيشمل كلّ مؤمن ومؤمنة {لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيا} بالذم والشّتم والسّب والحد والسّقوط من العدالة، وقد أوقع صلّى اللّه عليه وسلم الحد في عبد اللّه بن أبي سلول وحسان ومسطح وحمنه، ثم إن صفوان قعد لحسان وضربه بالسيف فكف بصره {وَالْآخِرَةِ} العذاب الشّديد لمن يموت منهم مصرا على نفاقه وقذفه {وَاللَّهُ يَعْلَمُ} حقيقة كذبهم فيما فاهوا به {وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} (19) إن اللّه يعاقب على ذكر هذه الفاحشة محبة إشاعة السوءى، فعليكم معاقبة من يتفوه بها ظاهرا في الدّنيا، واللّه يعاقب على ما في القلوب من حب ذكر هذه الفاحشة إذا شاء في الآخرة أيضا {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ} لعجل عقوبتكم ولم يمهلكم للتوبة لتستحقوا عذاب الآخرة كاملا {وَأَنَّ اللَّهَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ} (20) بعباده.
ثم حذر تعالى عن اتباع ما يحوك في النّفس ويتردد في الصّدر من الوساوس القبيحة التي يدسها الخناس في صدور النّاس عند الغفلة عن ذكر اللّه، فقال تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ} بإصغائكم إلى هذا البهتان، وهذا الخطاب عام أيضا للمؤمنين الموجودين عند نزول هذه الآية كافة وهو عام أيضا في كل من يأتي من المؤمنين إلى يوم القيامة {وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ} فيميل إليها {فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ} كالشيطان، ومن كان كذلك فمأواه جهنم إذا لم يتب {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ} أيها الخائضون في الإفك {ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا} ولا قبلت توبته، بل بقي ملوثا بسوئها {وَلكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ} من الذنوب بتوفيقه إلى التوبة وقبولها منه {وَاللَّهُ سَمِيعٌ} لأقوالكم خيرها وشرها سرها وجهرها {عَلِيمٌ} (21) بأحوالكم وما في صدوركم قبل إظهارها، ويعلم ما تستحقونه من الثواب والعقاب.